. مسيره دعوتي الي الكهنوت.
أنا ميشاك كامبال كاسورو، طالب كمبوني من الكونغو (جمهورية الكونغو الديمقراطية). انضممت إلى معهد الآباء الكمبونيان لقلب يسوع في أكتوبر ٢٠١٥. عند النظر إلى مسيرتي التكوينية، أدرك تطورًا تدريجيًا في أربع مراحل، وأنا الآن في المرحلة الأخيرة.
بدأت بمرحلة ما قبل الابتداء، في شرق الكونغو، والتي لم تكن فقط تحضيرًا لدراسة الفلسفة، بل شملت أيضًا تعاليم حول معرفة الذات، الليتورجيا، والكتاب المقدس. كما تم تقديمنا إلى حياة القديس دانيال كمبوني وأعمال المبشرين الكمبونيان حول العالم. خضت هذه المرحلة من خلال الصلاة، العمل الارسالي، التكوين الفكري والإنساني، اللقاءات الروحية والحياة الجماعية. بينما كانت عطلة نهاية الأسبوع فرصة للعمل الرعوي مع الأطفال والخدمة في مركز المعاقين جسديًا. رغم أنني قضيت هذه المرحلة في أبرشيتي الأصلية، إلا أنها كانت بالنسبة لي الخطوة الأولى نحو الانفصال عن عائلتي.
أما المرحلة الثانية، من رحلتي فكانت الابتداء ودراسة الفلسفة في كيسانغاني، وهي مدينة بعيدة عن مسقط رأسي بيني، لكنها لا تزال ضمن جمهورية الكونغو الديمقراطية. كانت فرصة لأختبر التنوع الثقافي بغناه وتحدياته. تعلمت أن أضع ثقافتي في منظور نسبي وأنفتح على ثقافات زملائي المبتدئين. خلال السنتين الأوليين، كنت أزور السجناء أيام الأحد، أصلي معهم وأستمع إليهم. كنت أشارك معهم بما يتناسب وبالتعاون مع رفاقي. من خلال هذا العمل الرسولي، تعلمت اللغة المحلية، والتي تعمقت فيها عندما تم تكليفي بالعمل في فرع خارجي لأبرشيتنا. كنت أستخدم دراجتي الهوائية في طريقي إلى مكان الخدمة، متذكرًا أن مؤسسنا كان يركب الجمال في رحلات طويلة وظروف قاسية. وجدت قوتي في الاحتفالات الليتورجية، الصلاة الشخصية، والتعاون مع رفاقي.
بعد ثلاث سنوات من الابتداء، قُبلت في مرحلة الإبتداء الرسمي، من أجل اختبار شخصي مع الله. لذلك، انتقلت إلى دوله بنين، حيث عشت تكويني في سياق دولي، وانفتحت تدريجياً على زملائي من دول أخرى. كانت هذه فرصة لي لأعُمّق هويتي المسيحية وأستعد لاكتساب الهوية الكومبونية. كما كانت فترة صلاة مكثفة، وتصالح مع ذاتي وتاريخي الشخصي.
كان تغيير تحديًا لي؛ فقدت توازني لفترة، لكن تقبلي للواقع ساعدني على استعادة السيطرة والانتقال من الخوف إلى الحرية الداخلية. بدلاً من التمسك برغباتي الدعوية، استسلمت لمشيئة الله، لأن المبادرة تأتي منه.
في نهاية السنة الأولى، تم تكليفي أنا واثنين من رفاقي بالعمل الرعوي في دوغو، وهي منطقة تابعة لأبرشية القديسين بطرس وبولس في مانيجري. عشنا حياة أهل القرية، وكانت رعايتهم لنا علامة على العناية الإلهية. كُلفنا بمرافقتهم روحياً، مما عزز تجربتي الإيمانية.
بعد عامين من التمييز الروحي والتوجيه، تقدمت بطلب للقبول في النذور الرهبانية الأولي، وبعد قبول طلبي، نذرت نذوري الأولى في ٨ مايو ٢٠٢١، وتم إرسالي إلى لبنان لدراسة اللاهوت. أشكر الله الذي قاد خطواتي في هذه التجربة الشخصية، وحوّل تحدياتي إلى فرص للنمو.
المرحلة الرابعة: الإكليريكية (الدراسات اللاهوتية)
أنا الآن في مرحلة الإكليريكية كشخص مكرس لله. في الرهبنة الآباء الكمبونيان لقلب يسوع الاقدس، هذه المرحلة مخصصة لدراسة اللاهوت. لكن قبل المجيء إلى لبنان، كان من المهم تعلم اللغة الإنجليزية، لأنها اللغة الرسمية لإقليم مصر والسودان الذي أتبع له. كما أني بحاجة إلى تعلم اللغة العربيةلأسباب رعوية واجتماعية، فهي اللغة الرئيسية في المنطقة التي أخدم فيها.
أواصل مسيرتي بتفانٍ، واثقًا أن كل خطوة هي جزء من خطة الله لتحقيق رسالتي الكومبونية.
بعد انتهاء فترة الابتداء، توجهت إلى كينيا لتعلم اللغة الإنجليزية لمدة ستة أشهر. عشت هذه التجربة في جو متعدد الثقافات، سواء في المجتمع الإكليريكي أو في مركز اللغة. ونظرًا لنقلي من مركز إلى آخر، أدركت كيف كان الرب يعلمني المرونة في مواجهة التغييرات والخروج من منطقة الراحة الخاصة بي.
بعد انتهاء برنامج اللغة الإنجليزية، انتقلت إلى مصر لدراسة اللغة العربية مع الدراسات الإسلامية والحوار بين الأديان. على الصعيد الرعوي، كنت أتردد على أبرشية يديرها الآباء الكمبونيان مخصصة لخدمة اللاجئين السودانيين في القاهرة، وتحديدًا في منطقة السكاكيني. انخرطت في جوقة الترانيم الإنجليزية، كما حاولت ممارسة اللغة العربية في التواصل مع الذين لا يتحدثون الإنجليزية.
بعد السنة الأولى من دراسة العربية، أتيت إلى لبنان لدراسة اللاهوت. أعتبر هذه المرحلة بمثابة رحلة حج لتعميق فهمي للإيمان الكاثوليكي. هنا أكتشف غنى الكنيسة الكاثوليكية التي تبقى واحدة رغم تنوع الطقوس. إنها فرصة للتجذر في التقليد اللاتيني ثم الانفتاح على الكنائس الشرقية، خاصة السريانية والبيزنطية.
أقوم أيضًا بعملي الرعوي مع مجموعة دراسة الكتاب المقدس في كنيسة القديس يوسف – المونوت الأشرفية، وهي جماعة محلية في بيروت تخدم المهاجرين وتديرها الرهبانية اليسوعية.
عندما أتأمل الرحلة التي قطعتها حتى الآن، أرى كم كان الله كريمًا معي، حيث أشعر بأنني مدعو لأصبح إنسانًا محبًا على مثال قلب يسوع. وبالنظر أيضًا إلى العناية التي أبداها رهباني في تكويني، فقد اقتنعت بأنني أحمل كنزًا لرسالة الكنيسة. وكإناء هش، أعتمد على نعمة الله لرعاية ما زُرع فيّ.
“لنا هذا الكنز في أوان خزفية، ليكون فضل القوة لله لا منا” (2 كورنثوس 4: 7).