رحلة دعوتي إلى الحياة المكرسة والكهنوتية

رحلة دعوتي إلى الحياة المكرسة والكهنوتية

فيستون موهيوا الكمبوني

اسمي فيستون موهيوا، وأنا من جمهورية الكونغو الديمقراطية. وأود أن أشارككم قصة رحلة دعوتي نحو الحياة الرهبانية والكهنوت وهي طريقي في كرم الرب.

كثيرا ما يقال أن كل شيء في الحياة يحدث لسبب ما. ودعوتي أيضًا متجذرة في الهدف. إنها مرتبطة بعمق بالبيئة التي نشأت فيها. أنا من عائلة كاثوليكية متدينة، وقد لعب هذا الأساس الروحي دورًا مهمًا في تشكيل قراري بأن أعيش إيماني المسيحي بطريقة جذرية وملتزمة كشخص مكرَّس. أنا من مطرانية بوتيمبو وبيني وهي جماعة كاثوليكية كبيرة وناشطة تقع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتشمل مدينتي بوتيمبو وبيني الرئيسيتين بالإضافة إلى العديد من المناطق الريفية. هذا الحضور الكاثوليكي القوي أثر بطبيعة الحال على إيماني ونظرتي للعالم.

أسس دعوتي للكهنوت

في بلدي، أصبح من المعتاد ثقافيًا أن يكون في كل عائلة كاثوليكية كاهن أو راهب واحد على الأقل. لكن في عائلتي، لم يكن هناك أي منهم. وقد ألهم هذا الغياب بعض أقاربي لتشجيعي على التفكير في الدعوة، خاصة وأنني أظهرت اهتمامًا كبيرًا بحياة الكنيسة منذ طفولتي. كنت معجباً بحياة الكهنة والرهبان، وبدأت أشعر برغبة شخصية قوية في السير على خطاهم.

ومع ذلك، فإن دعوتي تتجاوز الإعجاب. لقد تأثرت وتأثرت بعمق بمعاناة الناس في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وهي منطقة ابتليت بالصراع والعنف. فمنذ ما قبل ولادتي، كان الناس الأبرياء ضحايا الحرب وأجبروا على الفرار من ديارهم وتعرضوا للعبودية وسوء المعاملة والمعاملة اللاإنسانية من قبل الجماعات المسلحة. مشاهدتي وعيشي وسط هذه المعاناة ملأني بإحساس عميق بالمرارة ودفعني إلى التساؤل عن القسوة الموجودة في قلب الإنسان: كيف يمكن للإنسان أن يسيء معاملة إنسان آخر بهذه القسوة؟

أيقظت هذه التجربة في داخلي حساسية عميقة تجاه المعاناة الإنسانية ورغبة قوية في تحقيق العدالة والسلام والأمل لأولئك الذين يعانون من اليأس. أصبحت هذه الاهتمامات محورية في حياتي وانعكست في تكويني الأكاديمي والروحي.

لماذا اخترت إرساليات كومبوني التبشيرية

من خلال انخراطي المتزايد في الكنيسة، أدركت أن يسوع المسيح وحده قادر على تغيير قلب الإنسان حقًا. وجدت فيه مصدر رجاء وشفاء لعالم محطم. شعرت بأنني مدعو لأصبح وكيلاً لهذا الأمل والتحول الذي يساعد على ترميم ما تلف في الإنسانية. ألهمتني هذه القناعة أطروحتي الفلسفية: ”مسألة مستقبل الإنسان في خط تيلهارد دي شاردان: قراءة شاملة لصيرورة الإنسان“.

كما قادتني رغبتي في رؤية إنسانية متجددة ومليئة بالأمل إلى اختيار موضوع بحثي اللاهوتية للبكالوريا: ”العدالة الممزوجة بالرحمة: حل مقترح للصراع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية“. لم تكن هذه الأعمال الأكاديمية مجرد تمارين في البحث العلمي، بل كانت تعبيرًا عن الرغبة الملتهبة في داخلي للمساهمة في السلام والمصالحة في بلدي وخارجها.

لقد اخترت أن أصبح مبشرًا كومبونيًا بعد أن التقيت بكهنة وأخوات كومبوني الذين عرّفوني على حياة ورؤية القديس دانيال كومبوني. إن التزامه تجاه الفقراء والمهمشين، وإيمانه بكرامة جميع الناس بغض النظر عن العرق أو المكانة أو الخلفية ألهمني بعمق. من خلال قراءة حياته ورسالته، شعرتُ بأنني مدعو للانضمام إلى عائلته الروحية المكرسة لإحضار يسوع المسيح إلى العالم من خلال زرع الأمل والسلام والمحبة والتحول في قلوب من هم في أكبر الحاجة إليها.

مراحل تكويني

بدأت رحلة تكويني في عام 2013، عندما دخلت المرحلة  الأولى (postulat) وهي فترة مراقبة وتمييز، مما ساعدني على الانتقال من المدرسة الثانوية إلى الحياة الأكاديمية والجماعية في بيت التكوين. كانت هذه الفترة فترة نمو شخصي عميق. لقد تحدّتني هذه الفترة لمواجهة شخصيتي وخبراتي السابقة، والنمو في الوعي الذاتي، وتعلّم كيفية خدمة نفسي والآخرين. كما أنها أدخلتني إلى عالم الدراسات الفلسفية، مما شكل خطوتي الأولى في الإعداد الفكري الضروري للخدمة في الكنيسة.

كانت فترة الابتدأ (في بنين وتوغو) فترة مقدسة من التعمق الروحي والمصالحة مع الله ومع نفسي. خلال هذه المرحلة اعتنقت بالكامل موهبة الكومبوني وجوهر الحياة المكرسة. في نهاية الابتدأ، قمت بأول نذور العفة والفقر والطاعة التي أجددها سنويًا حتى النذور الدائمة.

وفي دراساتي اللاهوتية (في كينيا)، تعرفت على الله بعمق من خلال علم اللاهوت. انغمستُ في الكتاب المقدس في قصة الخلاص وإعلان الله للبشرية. وتعمقت في فهم المصير النهائي للإنسان الذي لخصه القديس أوغسطينوس بشكل جميل: ”لقد خلقتنا لنفسك، وقلوبنا لا تهدأ حتى تستريح إليك“ (الاعترافات، 1.1.1). لقد نما أملي في أن أرى الإنسانية تتحول وتستعيد قوتها خلال هذه الفترة.

أنا الآن في المرحلة الأخيرة من تكويني الأساسي الذي يسمى الخدمة الإرسالية (في مصر). أنا أتعلم اللغة العربية وأعد نفسي للإرسالية، متحمسًا لخدمة المحتاجين ومشاركة رسالة المسيح بطريقة ملموسة وفعالة.

الختام

أؤمن إيمانًا راسخًا بأن الله لم يخلقنا لنعيش في الاكتئاب أو اليأس. لقد خلقنا لنعيش في سعادة وقداسة وانسجام مع بعضنا البعض ومع الخليقة. أرى أن هذا المسار التبشيري هو أفضل طريقة بالنسبة لي لنشر هذا الفرح والشفاء خاصةً للأكثر فقراً والأكثر تخلياً، لأولئك الذين فقدوا الأمل. من خلال رسالتي، أطمح أن أكون حاملة النور والمحبة والسلام لكل مَن يعاني.

By mudir