“هَلُمَّا فَٱنْظُرا!!” : يوحنا 1: 39-38

Come and See(John 1:38-39) 

الأب مينا البير الكمبوني

في إنجيل يوحنا، عندما سأل تلميذان يسوع: “يا معلم، أين تُقيم؟”، كانت إجابة يسوع بسيطة ومليئة بالمعنى: “تعاليا وانظرا”. كانت تلك دعوة شخصية لاكتشافه من خلال المسير معه. وكما دعا يسوع تلاميذه الأوائل، هكذا ألخص أنا دعوتي. في عام 2008، وأثناء أحد الاجتماعات، سمعت شهادة أحد الشباب الذي شارك في خبرة خدمية بالسودان. تساءلت حينها في داخلي: “لماذا لا أجرب؟”، فأنا أحب الخدمة كثيرًا، وقد بدأت خدمتي منذ عام 2002 في مدارس الأحد في التربية المسيحية.

وفي عام 2009، انطلقت إلى السودان مع مجموعة من الشباب من كنائس مختلفة في مصر، وكان معنا رهبان وراهبات كمبونيان، وآباء يسوعيون، وآباء من الكنيسة القبطية الكاثوليكية، وآخرون. كانت الخبرة في مدينة “الأُبَيِّض”، واستمرت ثلاثة أسابيع. وفي الأسبوع الثاني، شعرت برغبة عميقة في البقاء هناك لاكتشاف ما يريده الله مني. جاء هذا الشعور بعد حديث أحد الإخوة الكمبونيين عن القديس دانيال كمبوني، وحلمه بأن يُخلِّص أفريقيا بالأفارقة.

حينها طلبت من مسؤولي الإرسالية ألا أعود إلى القاهرة، وأن أبقى في السودان لمدة عام لأعيش خبرة شخصية، وكان في داخلي صوت يقول لي: “تعالَ فانظُر.”

وبالفعل، بقيت في مدينة الأبيض وبدأت مسيرتي في اكتشاف دعوتي، وشاركت في أنشطة رعوية في قرية بغرب دارفور. وبعد عام من الخبرة، عدت إلى مصر، وفي داخلي صوت يزداد وضوحًا كل يوم، يدعوني لاكتشاف محبة الله وحضوره في الآخر.

في عام 2010، وبعد سنة من الخدمة في السودان، بدأت مسيرة روحية جادة لاكتشاف دعوتي. وبدعم مرشدي الروحي، بدأت تمييزًا عميقًا لما يريده الله مني. وفي عام 2011، التحقت بالرهبنة مع آباء الكمبونيان.

كانت مرحلة التكوين الأولى بدراسة الفلسفة في حلوان لمدة عامين. ثم أُرسلت إلى جنوب أفريقيا حيث عشت خبرة رهبانية لمدة سنتين، وتعلمت خلالها اللغة الإنجليزية.

ومن 2015 إلى 2017، أتممت مرحلة الابتداء، وهي أهم مراحل الحياة الرهبانية، حيث تعمقت في روحانية الرهبنة، وتعلمت عن قانونها، وانغمست في كتابات القديس دانيال كمبوني. بعدها قمت بأول نذوري الرهبانية، ثم أُرسلت إلى كينيا حيث درست اللاهوت لمدة أربع سنوات.

وفي عام 2021، وبعد إتمام دراستي اللاهوتية، عدت إلى مصر حيث نذرت النذور الدائمة، وسُيمت شماسًا إنجيليًا، ثم أُرسلت مجددًا إلى السودان كخادم إنجيلي. وفي عام 2022، نلت سر الكهنوت ككاهن كمبوني، وكان شعار رسامتي الكهنوتية: “هأنذا يا رب، فأرسلني”، لأضع ذاتي بين يدي الله، فيرسلني كما يشاء. وكانت أول رسالة ككاهن في مدينة الأبيض، نفس المكان الذي سمعت فيه لأول مرة صوت الله يدعوني قائلاً: “تعالَ فانظُر.كان الرجوع إلى الأبيض بمثابة عودة إلى الحب الأول، حيث بدأت الرحلة مع الله. من خلال مسيرتي الإرسالية في ثقافات متعددة، اكتشفت أن الله يدعونا أولاً لنعيش إنسانيتنا قبل أي شيء آخر. يدعونا لننظر إليه في الآخر المختلف، في فكره، وثقافته، ولونه، وحياته. فالله حاضر حولنا في كل إنسان، والسؤال الحقيقي هو: كيف أكتشفه؟ كيف أُميّز صوته في الآخرين؟ وكما أبحث عن الله في الآخر، كذلك يجب أن أُظهر الله الحيّ الذي يسكن داخلي للآخرين.

By mudir